لغة القالب

منظم السكر

 يعد الدواء المنظم للسكر والمسمى Metformin (متفورمين) والذي يصرف تحت اسم جلوكوفاج، من أهم وأرخص أدوية علاج السكري. 


فقد كنت منذ أكثر من 15 سنة في جدال قوي مع كثير من الأطباء حول ضرورة أن يكون هذا الدواء من أول الأدوية التي توصف لمريض السكري لما وجدت من دلائل بحثية منشورة حول ذلك، وكان السبب في رفض الأطباء (في ذلك الوقت) هو توصية جمعية السكري الأمريكية، حيث كان لديهم تحفظ على أحد الأعراض الجانبية التي حصلت مع أحد الأدوية المشابهة له.

 ولا يخفى على القارئ الكريم أن هذا الدواء لم يكن من اهتمام شركات الأدوية المؤثرة لعدم وجود جدوى اقتصادية من صناعته، فهو فرنسي الأصل وقديم، حيث صنع عام 1920 وثبتت فاعليته في علاج مرضى السكر في فرنسا عام 1956، وصرح استخدامه في إنجلترا عام 1958، ولكن لم يفسح في أمريكا إلا في عام 1995، حتى وصل عدد الوصفات الطبية لهذا الدواء في أمريكا عام 2009 فقط 40 مليون وصفة، وقد أجزم أن تأخير استخدامه في أمريكاً وغيرها من الدول يعد أمراً كارثيا (وما زلت أحتفظ بملف كبير حول هذا الدواء العجيب). 

هذا الدواء يختلف عن غيره من أدوية السكري في أنه لا يسبب زيادة في إفراز الأنسولين، ولكن يقوم بهضم السكريات وبعض الدهنيات دون الاعتماد على الأنسولين، والغريب أنه عندما يعمل على تقليل السكريات في الدم، تصدر الأوامر إلى البنكرياس بتقليل إفراز الأنسولين لأن تأثير المنظم في تخفيض السكر في الدم وفرت جهدا على الأنسولين وقللت الحاجة له. 

بل إنه يعطى حتى للمرضى الذين يأخذون الأنسولين، لأنه أيضاً يقلل من كمية الحقنة المطلوبة ويمنع مقاومة الجسم للأنسولين.Insulin Resistance. ولم يقف تأثير هذا الدواء المبارك على تنظيم السكر في الدم، ولكن تجاوزه لعلاج حالات أخرى مثل تحسين فرص الإنجاب لدى النساء المصابات بتكيس المبايض، ولكن الجديد في الأمر أنه أصبح من أهم الأدوية الواعدة في الوقاية بل وحتى العلاج من بعض السرطانات. 

فقد نشر قرابة 900 مقال علمي في مجلات محكمة حول فاعلية الميتفورمين في الوقاية والعلاج من السرطانات أغلبها في عام 2010م. 

وكان آخر مقال نشر في مجلة الوقاية من السرطان لشهر أيلول (سبتمبر) Cancer Prev Re.، حيث تمت الدراسة في المركز الوطني للسرطان في واشنطن.
 وأثبتت أن استخدام تراكيز مشابهة للإنسان من الميتفورمين المنظم للسكر قد قلل من حصول سرطان الرئة الذي يسببه التدخين بنسبة 72 في المائة، ويعزى هذا التأثير في أن الميتفورمين يعمل على تثبيط كبير لأحد مسببات السرطان، وهذه الدراسة وما سبقها من دراسات مماثلة تؤيد فاعلية ذلك دواء الميتفورمين المنظم للوقاية من سرطان الرئة لدى المدخنين. 

ومن الجدير بالذكر، أن هناك علاقة وثيقة وقديمة بين مرض السكري والإصابة بالسرطان، والسبب في ذلك أن مرضى السكري الذين لا يتقيدون بالتعليمات الطبية، يضطر البنكرياس لديهم في إفراز كميات كبيرة من الأنسولين لتقليل نسبة السكر في الدم، ولكن في المقابل فإن هذه الزيادة تساعد على تنشيط هرمون النمو الذي يسهم في تكوين وتنشيط الخلايا السرطانية، لذا فإنه بإعطاء الدواء المنظم (مع ممارسة الرياضة) سيساعدان على تقليل الفرط في إفراز الأنسولين، وهذا بالطبع يساعد في الوقاية والعلاج من السرطان.

 فعلى سبيل المثال نشرت مجلة World J Gastroenterol في حزيران (يونيه) الماضي أن سرطان الكبد يقل كثيراً عند استخدام الميتفورمين المنظم مقارنة بالأنسولين أو داونيل، وكذلك فإن السيطرة على سكر الدم تقلل من معدل الإصابة بذلك السرطان. 

وهناك دراسات أخرى نشرت في مجلة أبحاث سرطان الثدي Breast CancerRes Treat.. لشهر آب (أغسطس) حول الجدوى من استخدام الدواء المنظم للسكر في علاج سرطان الثدي والحد من انتشاره في الخلايا المزروعة. 

فعلى العموم هناك دراسات كثيرة أثبتت جدوى استخدام الدواء المنظم للسكر في الوقاية والعلاج من عدة سرطانات، ولكن تحتاج إلى وقت لإثباتها فكل المؤشرات تدل على أنه من الأدوية الواقية على أقل تقدير، كما أن مما لا يدعو للشك أن السيطرة على مستوى سكر الدم باستخدام المنظم له جدوى في التقليل من الإصابة بالسرطان والله أعلم.


مقال: د. عبدالقادر بن عبدالرحمن الحيدر

06 أكتوبر

عدد المواضيع